ذكريات محمد معوش مع فريق جبهة التحرير الوطني”لم نقم سوى بواجبنا…”
يشهد تاريخ فريق جبهة التحرير الوطني أن محمد معوش، وهو ابن حيّ الأبيار العتيق الذي ولد وعاش فيه طويا، كان من بين اللاعبين الأوائل الذين اتصل بهم مسؤولو فيدرالية فرنسا للجبهة عندما كان لاعبا أساسيا في فريق رامس الفرنسي الناشط في البطولة الفرنسية. لكن الحظ لم يسعفه ليكون من الاوائل الملتحقين بتونس لتكوين الفريق. كُتب له يكون من بين آخر الملتحقين سنة 1961 .
محمد معوش لم يتردد في تلبية نداء الجبهة التي اختارته ليكون ضمن النواة الاولى لهذا الفريق، حيث تجاوب مع هذه الفكرة بكل حماس، بل وساهم بصفة شخصية في ربط الاتصال مع بعض إخوانه اللاعبين الذين كانوا يصنعون أفراح البطولة الاحترافية الفرنسية في خمسينيات القرن الماضي، ونسق في هذه العملية مع كل مختار لعريبي وعبد الحميد كرمالي وحسان شابري. يقول معوش «هذا الأخير الذي كان يساعد اللاعبين الجزائريين الهاربين لعبور الحدود الفرنسية – السويسرية، وكان ذلك قد كلّفه غاليا بعد أن اكتشفت السلطات الامنية في الحدود دوره في هذه العملية، فأوقفته وهو في مهمة و صادرت جواز سفره الذي حمل كل تواريخ عبوره الحدود الفرنسية – السويسرية. السلطات الفرنسية اعتبرت ملفه أسودا بعدما وقفت على دوره الكبير، فأحيل الى المحاكمة التي قضت بسجنه لمدة سنتين. جزء منها قضاها بفرنسا، والجزء الآخر بسجن مدينة سكيكدة ».
من جهته، ساهم محمد معوش في تسهيل هروب المجموعتين الاولى و الثانية الى تونس، التي كانت تشكل محطة الوصول النهائي عبر العاصمة الايطالية روما … و كان معوش على أهبة الاستعداد للهروب الى العاصمة التونسية ضمن الفوج الثالث من اللاعبين الفارين، ضمّ في صفوفه أبرز مدافع في البطولة الفرنسية لتلك الفترة، ويتعلق الأمر بمصطفى زيتوني الذي رفض المشاركة مع منتخب فرنسا في نهائيات كأس العالم 1958 التي احتضنتها السويد، وفضل تلبية نداء جبهة التحرير الوطني، شأنه شأن زميليه الجزائريين رشيد مخلوفي و عبد العزيز بن تيفور.
وفي ذات اليوم، عبر محمد معوش الحدود الفرنسية – السويسرية على متن القطار، ونزل في محطة القطار لمدينة لوزان التي كانت موعد التقائه مع باقي أفراد المجموعة الثالثة.
لكن وقع سوء تفاهم في تنظيم وتوقيت اللقاء. معوش انتظر مطولا بمكان تواجده في المحطة دون أن يرى وصول زملائه. لم يكن بوسع معوش مواصلة سفره بمفرده نحو روما لغياب اي اتصال، لا مع مجموعته ولا مع أي عضو من جبهة التحرير. وظهر بعد فترة زمنية أن سوء تفاهم عن موعد اللقاء وقع بين محمد معوش وبقية أفراد المجموعة الثالثة، فقرر هذا الأخير العودة الى فرنسا.
وقتها كان البوليس الفرنسي قد تفطن لهروبه ونشرت صوره على صفحات الجرائد. وبمجرد وصوله الى محطة القطار لمدينة ليون، وجد نفسه محاطا بالشرطة الفرنسية التي أوقفته وقادته مباشرة الى مركز الشرطة، حيث تعرض للاستنطاق حول هروبه من فرنسا وحول الأسباب التي جعلته يعود بسرعة من سويسرا. أدخل محمد معوش السجن العسكري لانتمائه الى فيلق «جوان فيل » الذي كان يؤدي فيه الخدمة العسكرية، فأصبح مهددا بالوقوف أمام المحاكمة العسكرية. وبما أن معوش كان يعد من بين أحسن اللاعبين في نادي « ريمس «، تدخل مسيرو هذا الأخير، وتمكنوا بعد مساعي حثيثة لدى السلطات العسكرية من إخراجه من السجن، مع تقديمات ضمانات للسلطة العسكرية بعدم تكرار هروبه الى تونس.
عاد معوش الى نشاطه الرياضي، وكأن شيئا لم يكن، ولكن ظل هاجس الالتحاق بفريق جبهة التحرير يطارده بالرغم من الرقابة البوليسية التي فرضت على كل تحركاته، سواء في النادي أو خارج نشاطه الرياضي.
بعد مرور سنتين على محاولة فراره الى تونس، قضاهما في ترقب تلقيه اتصالات أخرى من فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير، جاءه الاتصال من هذه الاخيرة في 1961 التي كانت قد قررت تحضير عملية ثالثة لالتحاق لاعبين آخرين بالفريق، حيث ربطت معه الاتصال رفقة كل من سعيد عمارة وعبد الكريم كروم والاخوة بوشاش، وبوريشة ومقران وليكان.
وتمكنت هذه المجموعة من مغادرة فرنسا في سرية تامة بعد عمل مضبوط ومنظم من قبل فيدرالية فرنسا للجبهة التي أحاطت هذه السفرية بكل الاحتياطات اللازمة، وبذلك تفادت تفطن البوليس الفرنسي الذي لم يكن يعلم بهذه العملية. وسافر معوش بصفة سرية عبر الحدود الفرنسية – السويسرية رفقة زوجته التي كانت مناضلة في صفوف فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير.
إعداد: ع.اسماعيل