فريدة صابونجي..سيدة الشاشة الجزائرية عندما تلبس الرقة ثوب الأرستقراطية المتغطرسة
دخلت المسرح في سن مبكرة، لم يكن عمرها يتعدى 13 سنة، وقفت على ركحه إلى جانب كبار الفنانين، بشطارزي، رويشد، التوري وآخرون، أدت أدوارها بقدرة فائقة أبانت عن مشروع فنانة لن تكون في المستقبل كسائر الفنانات، إنها الفنانة القديرة سيدة الشاشة الجزائرية فريدة صابونجي، التي فارقتنا قبل سنة، إبنة مدينة الورود التي ترعرعت في أحضان حي الأبيار، صاحبة الشخصية الفذة، جسدت دور المرأة الأرستقراطية لكن أحبتها العائلات البسيطة والغنية على حد سواء.
احتضنها الفن سنة 1947 ، بعدما بسط لها العملاق محي الدين بشطارزي يده، لتقدم العديد من الأدوار في الأعمال المحلية وكذا المسرحيات العالمية على غرار «أوتيلو « ،» أوتيفون « ،» تارتيف ،» «قناع الجحيم « ،» الدنجوان ،» والعشرات من الأعمال المسرحية الكلاسيكية.
بعد مسار طويل فوق الركح، اتجهت إلى التلفزيون، وتقمصت الأدوار الحازمة التي كانت تظهر فيها قاسية، ففي سنة 1985 طلب منها المخرج جمال فزاز المشاركة في مسلسل « ا لمصير » ولبست ثوب المتغطرسة الذي أدته بإتقان نادر، فكسبت حب الجمهور الذي بفضله استمر ت في مشوارها فقد مت أعمالا أخرى على شاكلة المصير وأعمالا مختلفة تقمصت فيها العديد من الشخصيات سواء في المسرح أو المسلسلات.
«هناك شباب رائع لديه حضور على المنصة، لكن أتمنى أن يضع هذا الجيل الجديد مهنة التمثيل داخل شرايين قلبه، ويحبها بعمق وأن لا يجعلها غاية للربح المادي فقط، الفن يحتاج إلى الحب والصفاء حتى يتألق أكثر وأكثر .»
ملكت الفنانة القديرة فريدة صابونجي الجمهور الجزائري بكل أجياله وأطيافه، وحتى الجمهور المغربي والعربي، وذلك بتجسيدها الكثير من الروائع التي كانت تختفي فيها داخل عباءة السيدة الأرستقراطية المتغطرسة، لكنها السيدة في الحقيقة فريدة صابونجي إنسانة رقيقة وحضرية، لقد كانت بالفعل ابنة «القع والبع والخاتم في الصبع .»
عاشت صابونجي، كأبناء جيلها، ويلات الاستعمار، تحكي بفخر واعتزاز عن هذا التاريخ، وتعتز بتضحيات أبناء جيلها ومن سبقهم وقد رسخ ذلك في قلبها حب الوطن، فقدمت أعمالا بمستوى حبها لبلدها وجمهورها، في شكل تمثيليات اجتماعية تحمل معانٍ وطنية وتغرس الوعي لمواجهة اضطهاد المستعمر.
«الجزائريون كانوا يملكون عزة النفس ويعيشون يومياتهم بتضامن، ولا يفرطون في ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كانوا مولعين بالفن، ليس فقط في المدن الكبرى، بل وفي كل أرجاء الجزائر، إنهم يستقبلوننا بحفاوة خلال جولاتنا ويتابع الجمهور عروضنا » كانت الراحلة الفقيد صابونجي تقول «أنا أحب السيناريوهات الجيدة التي تخدم الأسرة الجزائرية، والتي تستقبلها بفرح وسرور، فهذا الجانب هام جدا بالنسبة لي، فأنا ابنة عائلة وأعرف ما تحبه العائلة، حيث يتسنى لكل الأفراد الجلوس معا والاستمتاع بالعمل المقدم دون خوف .»
لم تنقطع صابونجي عن مد يدها لجيل الشباب وترعاه وتقدم له ما تملكه من خبرة، وتعتبر الكثير من الوجوه الجديدة رائعة، وتوصي بأن لا يكون الفن مجرد وسيلة للكسب.
ظلت السيدة فريدة صابونجي وفية لزملائها، تتحدث عن ذكرياتها معهم وتثمن مسارهم، كما لم تقطع علاقاتها الاجتماعية وزياراتها لزميلاتها، خاصة منهن نورية وفتيحة بربار وشافية بوذراع اللواتي رحلن جميعهن.
صابونجي، نودعك من جديد، نودعك حتى نصير إليك، نودعك على أمل أن نلقاك في مسلسل جديد عنوانه «جنة الخلود » يا أعظم فنانة، يا ألطف امرأة، يا أحن أم تفيض أمومة وتواضعا، وداعا محبوبة المشاهدين، وداعا سيدتي، سيدة الشاشة الجزائرية.
كاتب المقالة : محمد. ن