المخرج الجزائري عبد الغني مهداوي المقيم ببوردو (فرنسا) لمجلّة الأبيار ذكرياتي في حيّّي الأبيار
في هذا العام أيضا 1962 ، في الأبيار، أسّست مجموعة كشفية في مدينة سان رافائيل، والتي كانت تسمى «مجموعة الشرف. في عام 1963 ، تزوجت وأنجبت أطفالي الثلاثة بالأبيار، وكان آخرهم في عام 1967 . فقط من أجل القصة الصغيرة لهذه الولادة، ذهبت لأوقظ صديقي الشيخ كامل فر الله المغني الشعبي، لأسأله، والساعة في حدود 3صباحا، وهو الذي كان يملك سيارة من نوع رينو R4 ويعيش في مبنى شارع بوقرة، إذا كان بإمكانه اصطحابي إلى المستشفى مع زوجتي التي كانت أهبة الولادة. هرع صديقي وبعد بضع عشرات من الدقائق، كنا في عيادة »« ليقليسين، أسفل شارع بوقرة.
عشت 10 سنوات مع عائلتي الكبيرة والصغيرة في الأبيار، عرفت فيها فترات من المشاعر الكبيرة على المستوى الشخصي، وأيضا على المستوى المهني. كنت أعمل في التلفزيون الجزائري، وكنت أقضي وقتا أطول بكثير في التلفزيون مما أقضيه مع
عائلتي. مهنيا، كانت أيضا فترة أحداث كبيرة، وصول بومدين الى هرم السلطة، والموجة الكبيرة من الأمطار الغزيرة أو أيضا رسو باخرة توباز الذي جنحت على الرمال في موقع الطريق السريع اليوم. كل هذه الأحداث عرفتها وتعاملت معها عن كثب من خال عملي كمخرج.
ذكرى أخرى جميلة، وو هي من دون شك لقائي اليومي، ومناقشاتي التي لا نهاية لها وفناجين القهوة التي كنت أرتشفها في الأبيار مع الشيخ الحاج محمد العنقا. سيّد الشعبي الأول والذي تولى تسيير مقهى فريق JSEB لكرة القدم. كان المقهى المعني يقع بجوار Monoprix السابق في الأبيار في منتصف الشارع الرئيسي. كان المكان المتميز للرياضيين و للأبياريين، و زاده شهرة تولي «كاردينال » الشعبي له، والذي كان في ذلك الوقت الشخصية الأكثر شعبية في الجزائر وفي جميع أنحاء الجزائر.
كنت أحب هذا المكان الشعبي، وكوني «ابن » الأبيار، كنت أذهب كل صباح إلى هذا المقهى للاستمتاع بقهوة جيدة بعد تحية «عمي الحاج » وتبادل أطراف الحديث معه وتبادل بعض المعلومات عن الحصص والبرامج التلفزيونية الجزائرية آنذاك. وفي كثير من الأحيان، أعطتنا تبادلاتنا اليومية هذه الرغبة في تناول القهوة معا. أتذكر ذات يوم، دون تفكير كبير، سألت الحاج العنقا السؤال التالي: هل لاحظت عمّي الحاج أن الناس أصبحت تميل معاملاتهم الى السيء؟ ألا تعتقد معي أن شيئا ما قد تغير فينا منذ الاستقلال؟
كان لدى العنقا إجابات على كل شيء، وبما أن مضامين ردوده كانت دائما فلسفية ومسائلة، قال لي بعد أن أخذ رشفة من قهوته بهدوء ووضع فنجانه الصغيرعلى الطاولة: «ألا تعرف لماذا!!؟. ببساطة لأنه من قبل، كان الرضيع يتغذى من ثدي أمه، إنه دفء الإنسان الذي ينتقل إليه، ثم تمّ إطعامه حليب البقر أو الماعز، وهنا بدأت المرحلة الحيوانية. بعدها اخترعوا الحليب المعلّب، فكبر الطفل مع صندوق حديدي في قلبه.
وبين الذكريات التي تعود إليّ من حيّ الأبيارالذي عشت فيه لسنوات، هناك واحدة جعلتني أفهم أن مصير الإنسان ليس بين يديه، وأن الحظ غالبا ما يكون بعيد المنال. كنت لا أزال شابا، وكنت ألعب «التيارسي » مثل العديد من الشباب في ذلك الوقت. في وسط الأبيار، كان هناك مقهى يمكّن من اللعب كل يوم أحد. ذهبت للعب، وأمام باب المقهى، قابلت صديقا أخبرني: «هناك الكثير من الناس في الداخل، المقهى مكتظ عن آخره، من الأفضل لك العودة يوم الأحد المقبل للعب.
عدت إلى البيت، وفي المساء علمت أن الأرقام التي راهنت عليها هي الأرقام الصحيحة وأن المبلغ كان ستة ملايين، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت. قلت يومها أن الحظ لم يبتسم لي في ذلك اليوم وأن القدر أراد خاف ذلك. انها فقط للذكرى.
بعد سنوات جميلة في الأبيارحدثت ظروف قاهرة ألزمتني أن أنتقل، هذه المرة مع عائلتي الصغيرة، للإقامة في حي ولادتي الذي غادرته قبل سنوات. عدت اذن حيّ بولوغين الأسطوري (سانت أوجين سابقا). من مرتفعات الجزائر العاصمة، تدحرجت للوصول قبالة البحر. هذا البحر الذي كان لي أن أجوبه لأصل الى الضفة الأخرى، حاما معي كلّ ذكرياتي… ذكريات الأبيارو الحاج العنقا، ذكريات بولوغين والتلفزيون الجزائري وذكريات الجزائر بعاصمتها ومناطقها التي صلت وجلت فيها. شكرا للأبيار أنها أعطتني فرصة العودة إلى ذلك الزمن الجميل.
كلّ تحياتي وأشواقي لناس الأبيار، لناس بولوغين ولناس …كلّ الجزائر
كاتب المقالة : عبد الغني مهداوي