النقيب بوعلام أوصديق المجاهد الذي تصدى لمخطط تصفية الثورة في الولاية الرابعة
كانت صداقة بوعلام أوصديق مع الاخوة سوكان وابرير لاعبو فريق الأبيار متينة وحميمية، وكان الرباعي المشهور يستنجد به لحل مشاكل النادي على مستوى الرابط الجهوية للكرة، مثل تسهيل تنقل الفريق لإجراء مبارياته. وكان أوصديق يتدخل في كثير من المرات، رفقة الرائد عز الدين، لمساعدة نادي شبيبة الابيار في حل مشاكله الإدارية والمالية سواء لدى الرابطة أو مديرية الشباب والرياضة. كما كان له الفضل في ذهاب المرحوم حاج إبرير الى موسكو كضيف وممثل فريق جبهة التحرير في الالعاب الرياضية « سبارتاكياد موسكو « في السبعينات. على المستوى الثقافي، كان بوعلام أصديق قريب جدا من الوسط الفني، لا سيما من المرحوم الحاج العنقى الذي كان يملك مقهى بوسط الأبيار بعد الاستقلال، وكان من بين الذين حمّسوا العنقا لإصدار أغنيته الشهيرة الحمد لله مابقاش استعمار في بلادنا».
لا زلنا إلى اليوم نتذكر رحيل المجاهد بوعلام اوصديق. مراسيم دفنه جرت بمقبرة العالية في يوم حزين وماطر من شهر نوفمبر. القدر أراد ان يتركنا في شهر الثوار يوم 27 نوفمبر 2013 عن عمر ناهز ال 85 سنة. انتقل الى رحمة الله لينضمّ الى العديد من رفاقه وإخوانه في الكفاح، كل واحد منهم يمثل صفحة مجيدة لثورة أول نوفمبر 54 ، منهم العقيد سي امحمد بوقرة والعقيد سي الصادق ولونيسي والعقيد أو عمران وابناء اعمامه عمر أوصديق وطاهر أوصديق ومراد أوصديق والصادق أوصديق وصديقه الدكتور فرانتز فانون.
إن الحديث عن ذكرى وفاة بوعلام أوصديق هو استعادة الملحمة البطولية لضابط في جيش التحرير الوطني كان اسمه الحربي بوعلام طايبي. ولد بوعلام أوصديق يوم 29 – 09 – 1929 بسيدي نعمان، على بعد كيلومترات من تيزي وزو. حياة قضى جزء منها في الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي بعدما التحق بصفوف الثورة في 1955 وهو طالب في الجامعة، ومتحصل على عدة شهادات، متقدما إخوانه الطلبة الذين لبوا نداء اتحاد الطلبة الجزائريين في 1956 . بوعلام أوصديق، ناضل من أجل تحرير الجزائر بالسلاح وبالكلمة أيضا بأدبياته الشعرية، فحمل تسمية الثوري الكاتب.
الطالب المتمرّد
كانت الإدارة الاستعمارية تسعى وتتمنى إلقاء القبض عليه لما كان يمثله من تأثير بصفته مسئولا عن مصلحة الدعاية والإعلام. مسؤولية لازمت تواجده بالولاية الرابعة التاريخية، حيث كان ينشط تحت أمر قائده الأول عمر أو عمران، ومن بعده العقيد امحمد بوقرة. وقبل ذلك كان قد ناضل الى جانب عبان رمضان في المنطقة الحرة بالعاصمة التي التحق بها خلال فترة تواجده بجامعة الجزائر. هناك حيث تعّرف فيها على طلبة كانوا في اتصال مع قادة الثورة، منهم عمارة رشيد، الذي جعله عبان رمضان أحد رجالاته الموثوق فيهم ولمين خان ومحمد الصديق بن يحيى، رئيس اتحاد الطلبة المسلمين آنذاك، وعلاوة بن بعطوش وسعيد حرموش.
قام عبان رمضان بتعيين بوعلام أوصديق ضمن المجموعة المكلفة بالعمل المباشر وصنع المتفجرات كمنشط سياسي لها. كان ضمن مجموعتة الشهيد طالب عبد الرحمان ودانيال تيمسيت، المكلفين بصناعة المتفجرات. لكن أمرهم انكشف بعد حادث انفجار قنبلة داخل مصنع المتفجرات ببئر خادم، واضطر بوعلام أوصديق الى الاختفاء رفقة زميليه دانيال تيمسيت وطالب عبد الرحمان. وزعت القوة العسكرية منشورات للقبض عليهم جميعا، وجد أوصديق صعوبة كبيرة للخروج من العاصمة، حيث كان على وشك الوقوع تحت قبضة العساكر الفرنسيين، لولا الغطاء الذي لقيه لدى مناضل كان يعمل بمحله في أسفل حي القصبة.
تنكّر بوعلام في هيئة صانع أحذية داخل المحل، مما مكنه من تفادي الوقوع بين أيدي مصالح الأمن الفرنسية بعد ذلك بأيام قليلة، جاءه اتصال من مسؤولي جبهة التحرير سهل له مهمة الخروج من حي القصبة، فتوجه مباشرة الى منطقة الولاية الرابعة التاريخية. كان بوعلام أوصديق يبلغ اثنان وعشرين سنة من العمرعند التحاقه بهذه المنطقة وتمت ترقيته الى رتبة نقيب، وعيّنه العقيد سي الصادق مسؤولا مكلفا بمصلحة الدعاية والإعلام رفقة صديقه عبد اللاوي.
نشاط ثوري كبير
على إثر هذا التعيين أصبح له اسم ثوري جديد وهو «أوصديق طايبي ». وبه جاب جبال بوزقزة والزبربر وتيبرقنت ولعب دورا كبيرا في توعية سكان وأهالي تلك المناطق التي خاض فيها عدة معارك ضد القوات الاستعمارية الى جانب العقيد امحمد بوقرة وسي الصادق والرائد عز الدين وعبد اللاوي ومصطفى البليدي، تعرض فيها لعدة إصابات. وظل بوعلام طايبي مسئولا عن مصلحة الدعاية والإعلام الى غاية تنقله الى تونس بأمر من العقيد امحمد بوقرة. في طريقه الى تونس، تعرض بوعلام طايبي الى إصابة خطيرة إثر كمين وقع فيه مع مرافقيه في الولاية الثانية. ظنّ رفاقه أنه ميّت لامحالة، لكنه نجا. مصالح الصحة لجيش التحرير انتشلته من موقع إصابته وقدمت له الرعاية اللازمة. إصابته كانت بليغة على مستوى الرجل، واستلزم الامر اخضاعه الى التداوي حتى بالاعشاب لدى عجوز بتلك المنطقة. نجا بأعجوبة من الغرغرين (la Gangrène) .
وبالرغم من العائق الجسماني الذي كان يعاني منه بسبب هذه الاصابة، تمكن النقيب أوصديق من الإفلات وعبور الحواجز العسكرية المتمركزة على الحدود التونسية وتكفّلت به فرقة من جيش التحرير، ورافقته حتى قيادة الثورة في تونس. وهناك كلّف بالتنقل الى أفريقيا للتعريف بالقضية الجزائرية وكان برفقته صديقه فرانتز فانون. ثمّ التحق بوعلام أوصديق على التوالي بمالي والسويد لتمثيل الحكومة الجزائرية المؤقتة في هذا البلدين. ويقول بوعلام اوصديق عن فرانتز فانون « لقد أنقذني الدكتور فانون، حيث قدم لي الرعاية والمشورة، لأنه بمجرد ان ابتعدت عن الولاية الرابعة وعن زملائي، وجدت نفسي مرهقا تماما. في 1962 ، استنجدت به قيادة الثورة، حيث عيّنته مساعدا للرائد عز الدين، فكلّف بمحاربة عناصر المنظمة العسكرية السرية الفرنسية التي خلقت الرعب في أحياء العاصمة بالقتل والتنكيل بالجثث، وهي المنظمة التي كانت تنادي بعنف لا نظير له « الجزائر فرنسية «. بعد الاستقلال، أصبح بوعلام أوصديق نائبا في المجلس الشعبي الوطني الأول، ثمّ أمينا عاما لوزارة الشؤون الاجتماعية. غير أنه سرعان ما انسحب من الحياة السياسية ويتفرغ لحياته الخاصة.
شهادات…
ومن بين الشهادات التي أدلى بها رفقاءه في السلاح، تلك التي ذكرتها المجاهدة زهرة ظريف: « أريد ان أشيد بأوصديق بوعلام باعتباره مجاهدا بدأ النضال وهو طالب. شخصيا أشعر بأنني مدينة له، فبفضله تمكنتُ من التواصل مع مسؤولي جبهة التحرير الوطني. كانت سنتي الاولى في كلية الجزائر ولم أكن أعرف أحد. كنت أدرك ان الاتصال يكون سريا وبمعايير صارمة. الحظ اتاح لي الفرصة لمقابلة بوعلام اوصديق ذات يوم بالكلية، وهكذا تمكنت من الانضمام الى جبهة التحرير ».
الشهادة الثانية من المجاهد البروفيسور عمر زميرلي. » لا يمكن نسيان بعض ما قام به السي بوعلام، لأنه بفضل يقظة مصلحة الدعاية والخدمات الإعلامية التي كان يقودها، وبفضل ذكائه، وروحه النقدية ومعلوماته عن أساليب العدو، وعلى رأسهم النقيب ليجي، تم إحباط عملية الخيانة المدبرة التي كانت من أكبر عمليات التطهير في صفوف الثورة عام 1956 .
ويذكر زميله السابق في الكفاح الرائد عز الدين كيف استطاع بوعلام أوصديق ان يبرز ذكاءه الخارق للعادة أثناء مجيء الجنرال ديغول الى السلطة، وذلك عبر توزيع منشور دعائي ساخر لصالح الثورة الجزائرية، حيث جاء في محتوى هذا المنشور ما يلي « سواء حارس مرمى واحد أو حارسين فإن الهدف سيسجل » مع فوق رسم لكرة (هي جبهة التحرير الوطني) تخترق الشباك التي يحرسها الجنرال ديغول مرتديا سروال قصير وقبعة فوق رأسه.
حميد أوصديق، الخبير في اليونيسكو وابن عم المجاهد الفقيد بوعلام قال في إحدى المناسبات التي نظمت في ذكرى وفاة هذا الأخير « إن استحضار اليوم ذكرى وفاة بوعلام اوصديق هو تكريس للالتزام الذي حمله هذا الوطني لحساب بلده الجزائر الذي ظلّ في قلبه وفي جسده حتى أنفاسه الأخيرة. التحية الكبيرة التي اثنيها على شرفه تعكس ولائنا لذكرى الشهداء والمجاهدين الذين ضحوا بأعزّ ما يملكون لكي تتحرر الجزائر من الاستعمار ».
إعداد: ع.اسماعيل