الرائد عزالدين زيراري من النضال الثوري الى النشاط الرياضي
الرائد عز الدين هو من أوائل سكان الأبيار، وكان له شرف ترأس نادي الشبيبة الرياضية للأبيار بعد الاستقلال. ومعروف عنه أنه يحب الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بشكل خاص. يتذكر رامول، أحد اللاعبين السابقين القدامى في اتحاد الابيار، والعارف بكلّ خبايا و تاريخ الفريق والذي تواجد في الفريق خال فترة تسيير الرائد عز الدين للنادي، فيقول: « الرائد عز الدين كان نشطا جدا لما كان على رأس الشبيبة الرياضية للأبيار. لم يبخل أبدا بتقديم المساعدة للنادي، وكان كل استعداد وإرادة لحلّ مشاكل الفريق وقتها. كان دائما يقف الى جانب المسيرين ويساعدهم على حلّ كل المعضات التي كانت تواجه الفريق ولاعبيه. كانت فترة تواجده مع فريق الشبيبة الرياضية للأبيار ناجعة، خاصة في جانب التسيير والانضباط. وقد كان الجميع يقدر مسيرته النضالية وكفاحه البطولي أثناء ثورة التحرير الوطني.
ومعروف عن الرائد عز الدين أنه يعد من المناضلين الجزائريين المشهورين الذين ثاروا ضد الوضع القائم ولبّوا نداء الثورة التحريرية، فحارب الاستعمار بكل ما أوتي له من قوة ولم تنل العساكر الفرنسية لا من عزيمته ولا من إرادته.
و لا زالت مناطق الولاية الرابعة التاريخية مثل الزبربر و الجباحية و جبل مونقورنو و أولاد بوعشرة الأخضرية و مايو و جندل، شاهدة على شجاعة و حنكة الرائد عز الدين في الاشتباكات و الكمائن التي خاضها ببسالة كبيرة ضمن مجموعة الكوماندو الشهيرة « علي خوجة « التي قادها بعد استشهاد هذا الأخير في معركة برج الكيفان سنة 1957 . وقد كان من بين القتلى في تلك المعارك النقيب غرازياني الذي قضى نحبه في إحدى مواجهاته ضد كوماندو الرائد عزالدين الذي ثأر بذلك للمجاهدة جميلة بوحيرد التي تعرضت للتعذيب بأيدي النقيب غرازياني بالجزائر العاصمة.
تمت ترقية عزالدين زيراري الى رائد وأصبح أحد ركائز الولاية الرابعة، حيث كان الى جانب مسئولها الاول عمار أو عمران ثم العقيد امحمد بوقرة الذي استخلف هذا الاخير عندما انتقل الى تونس، والعقيد سي صادق والنقيب بوعام أوصديق والرائد عمر أوصديق. وقد أصيب الرائد عز الدين في ثاث اشتباكات وأصيب فيها واخترقت جسمه عدة رصاصات. وبعد أن وقع أسيرا بين أيدي القوات الفرنسية في معركة جبل بولقرون، جاءه بموقع المعركة أربع جنرالات على متن هليكوبتر، منهم الجنرال ماسو، قائد القوات الإستعمارية الفرنسية في الجزائر، الذي قال لعزالدين « لقد سجلت في مذكراتي العسكرية أنك انتصرت علينا في عدة معارك «. ثم نُقل الرائد عزالدين على متن طائرة الهيليكوبتر الى الجزائر العاصمة، وحاولت السلطات الفرنسية خال فترة حبسه الحصول على موافقته لما يسمى بمخطط « سلم الشجعان « الذي اقترحه الجنرال ديغول على جبهة التحرير، لكنه رفض العرض جملة وتفصيا.
نائب قائد هيئة الأركان العامة
بعد هذه الفترة العصيبة في الحبس، استطاع العودة من جديد الى معاقل الولاية الرابعة لمواصلة الكفاح، غير أنه لم يمكث طويا بالمنطقة. أمره العقيد امحمد بوقرة في بداية سنة 1959 بالذهاب الى تونس، وبالضبط الى مقر الحكومة المؤقتة التي كان يرأسها آنذاك فرحات عباس. هذه الأخيرة قامت بانتدابه برتبة عقيد إلى مقر هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التي كان يقودها هواري بومدين. ويقول الرائد عن هذه المَهمّة التي أوكلت إليه: « مهمّة قيادة الأركان العامة كانت تتمثل في تموين الجبهة الداخلية بالعتاد الحربي، وتنسيق العمليات العسكرية على المستوى الوطني بصفتها مسؤولة عن قيادات الولايات الداخلية. كما كانت لنا مسؤولية مباشرة على نظام الشرطة العسكرية في المناطق المحددة باتفاق مع اللجنة الوزارية المشتركة للحرب التي انبثقت عنها هيئة قيادة الأركان العامة للحرب .« وبالإضافة إلى عضويته في هيئة الأركان العامة، اكتسب الرائد عز الدين العضوية ضمن المجلس الوطني للثورة الجزائرية قبل الاستقلال.
عندما انتقل الرائد عزالدين في مرحلة أولى الى فرنسا بوثائق مزورة، وبعين المكان، استحضر له المناضل في فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير حفيظ كيرمان وثائق مزورة بهوية دركي فرنسي يحمل تسمية «جورج سيران » جاء إلى باريس في عطلة. وبفضل هذه الوثائق، تمكن الرائد عز الدين من الدخول الى الجزائر، ومن ثم وجهه مناضلو جبهة التحرير مباشرة إلى الولاية الرابعة. ويقول عز الدين زيراري عن تلك المغامرة « لما وصلت الى معاقل الولاية الرابعة، أدركت بسرعة التضحيات الكبيرة التي قدمها الجزائريون في سبيل الحصول على الحرية، لأن من بين اثني عشر ألفا مجاهدا في هذه الولاية، لم يبق فيها سوى خمسة مائة مجاهد، وهو ما يدل الخسائر الكبيرة في الأرواح التي أحدثتها عمليات « شال » و «جومال « التي أطلقتها القوات الفرنسية في 1959».
رئيس المنطقة الحرة بالعاصمة أثناء وقف إطلاق النار
وأثناء المحطة الأخيرة للمفاوضات بين الوفدين الجزائري والفرنسي حول انسحاب القوات الفرنسية واستقلال الجزائر، والمعروفة باتفاقيات « ايفيان ،« تم تكليف الرائد عز الدين من طرف رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية آنذاك، بن يوسف بن خدة، بالانتقال الى الجزائر العاصمة لترأس المنطقة الحرة المسماة بالمنطقة السادسة التي كانت واقعة تحت إمرة الولاية الرابعة. تنقل الرائد عزالدين إذن الى المنطقة الحرة بالجزائر العاصمة، حيث نظم الأمور على ضوء التعليمات التي تلقاها من رئيس الحكومة المؤقتة والمتمثلة في تأطير سكان العاصمة في حال حصول اتفاق نهائي في مفاوضات إيفيان. حيث يوضح الرائد عز الدين في هذا الشأن « الشعب الجزائري كان يدرك حتمية انتصار الثورة التحررية ضد الاستعمار، ونحن كمجاهدين ومناضلين، حرصنا على ان لا تندفع الجماهير الجزائرية العاصمية نحو الأحياء التي يسكنها الاوربيون الذين كانوا مسلحين، حيث عارضنا وقوع تجاوزات من هذا النوع خوفا من ان تقوم المنظمة السرية الفرنسية OAS باستغلالها وبالتالي تعمّ الفوضى ويتم إلغاء وقف إطاق النار واتفاقيات إيفيان.
لم تكون مهمتنا سهلة، لكن استطعنا ان نفرض الهدوء والرزانة في الجانب الجزائري إلى أن عمت الفرحة والابتهاج باستقلال وطننا الحبيب «. إلى اليوم، لا زال الرائد عز الدين زيراري يتذكّر بالتفصيل وبدقة كبيرة أحداث الثورة التي عاشها بالرغم من تقدمه في العمر، حيث يقارب سن التسعين. و مازالت أيامه في فريق الأبيار لكرة القدم تعيش وسط ذكرياته الثورية.
إعداد: ع.اسماعيل