عمّي أعمر…الملاك الوصي على السكالا
نتذكّرك دوما، نتذكّرك كأب، كحامي الحمى والدّيار والماك الوصي على ناس السكالا. ما استطعنا أبدا أن مشيتك المتثاقلة، ولم ننسى لحيتك البيضاء الجميلة، وابتسامتك الملائكية. لم ننسى الهدوء الذي كنت عليه دوما، وهل لنا أن ننسى حكمتك ووقارك وعلمك … وطريقة قراءتك القرآن بتلك اللكنة القبائلية التي كانت تضفي سحرا إيمانيا عجيبا علينا، وهل لنا أن ننسى تجاويدك وتراتيلك وترانيمك. نذكرك ب »العباية ،» ب »البرنوس » أو ب «القشابية » التي كنت تلبسها تبعا للمواسم و المناسبات بفخر و اعتزاز الجزائري، إيحاءا منك بأهمية و ضرورة الحفاظ على التقليد والتراث. نتذكر عندما كنت تجمع الأطفال من حولك لتعليمهم القرآن. لم يكن في يدك عصا ولكنك كنت تنهال علينا دوما بابتسامة كبيرة على شفتيك تغمرالجميع ونحن نترقّبها لنرى عبرها البياض الناصع لأسنانك. نتذكّر كيف كان الناس كلّ يوم يندفعون، ولا يتدافعون، إليك وحولك بعد كل صاة مغرب ليرسموا دائرة كبيرة في المسجد على مقربة من المحراب لقراءة حزب من القران الكريم. هذه الصورة عالقة بأذهأنأ بصفة عجيبة.
عمّي أعمر …
نتذكر كل شيء، كل التفاصيل، أدقّ التفاصيل، وحتى تفاصيل التفاصيل، نتذكّر هيئتك الجسمانية الرهيفة وانحناء ظهرك شيئا ما، نتذكّر نظراتك الثاقبة التي تصاحبها دوما وحتما إبتسامة مزلزلة تفرض الإعجاب والإحترام. تلك هي الصورة التي كانت دوما ماثلة فينا ومازالت إلى اليوم حيّة فينا. صورة الجدّ الأبدي.. نتذكر أسلوبك في الحديث والتبادل، طريقتك الفريدة في الردّ على الأسئلة، حتى المحرجة منها. نتّذكّر تحاياك، نبرات صوتك ببحّته الخصوصية. نتذكّر لطافتك، تسامحك، انفتاحك وعلمك الذي توزّعه بسخاء نادر. نتذكر كيف كنت تفرض الاحترام من خلال مظهرك والإنصات من خلال كلامك. نتذكر الأوقات النادرة عندما كنت تغضب، ودائماً لأجل تصويب وتصحيح جهل وهراء بعض من الناس التي كانت تعتقد أنّها تملك الحقيقة، كلّ الحقيقة وحتى الحقيقة المطلقة. نتذكّر غضبتك الكبرى عندما تنحّت مجموعة من الشباب في جانب من المسجد وانتظرت حتّى أنهيت صاة الجماعة وبعدها همّوا بالصاة بمفردهم في جماعة بإمام مرتجل. كان ذلك في بدايات الإحتقان والفتنة الكبرى. لقد رفضوك كإمام، ولكن لم يكن ذلك هو سبب غضبتك، بل كان السبب أنّهم فرقوا الصفوف ودنّسوا قداسة «الجامع ». ومع ذلك، انتظرتهم حتى أنهوا صلاتهم، ثمّ واجهتهم بصرامة وقلت لهم أنّك لن تقبل هذا مرّة أخرى، وقلت، أنّه إن لم يرقكم الحال فاذهبوا للصاة في مكان اخر يوافق أفكاركم الهدّامة. لم تكن تجاريهم، ولم تكن لخزعبلاتهم أن تثيرك. نتذكرأنك كنت في غاية الغضب ذلك اليوم لدرجة أنك تلفّظت بكلمات رادعة صوبهم بالفرنسية، اللغة الفرنسية التي كنت تجيدها بامتياز.
عمّي أعمر …
نتذكر أيضا تلك المجموعة الصغيرة من المراهقين الذين جاءوا ليسألوك في حياء وكثير احترام، إذا كان حراما لبس الشورتات القصيرة للعب كرة القدم. حتى يومنا هذا، إجابتك مازال صداها في داخلنا. قلت لهم: «وهل تلعبون كرة القدم بشكل جيد أم لا؟ » لم تقل أكثر. وفهم الشباب المراهق مقصدك والذين كنت تقصدهم.
عمّي أعمر …
عشت الوقت الجميل لمسجد سكالا وللأبيار وكنت لسنوات الإمام والأب والرجل الذي تصل به الحكمة إلينا. كان ذلك زمن الثمانينيات الجميل، ولكن، في وقت لاحق، تغيرت الأمور وإلى الأسوأ، إلى السوء. وبقيت تواجه الهبل والخبل كعادتك وبطريقتك، ولكن بسبب السياسة والجهل وعدم الاحترام الذي طالك، وكذا تقدّمك في السنّ الذي كان له أثره عليك… منذ ذلك الحين، رأيناك تمرّ مثل الظل. ولكن دائما بابتسامتك الأسطورية، بلحيتك البيضاء،
ملابسك التي تساير المواسم. وفي يوم ما، من سنة ما وفي زمن ما، رحلت إلى الأبد. ولكن حيث أنت الآن، مازلت تحرس حيّ سكالا و عينك على جامعه و قلبك مع الأبيار… نتذكّر أنّ يوم جنازتك حضر أولاد السكالا و الأبيار و من أحياء شتى ليودّعوك…و لكن لم يأت أولئك الذين كانوا سببا في غضباتك.
كاتب المقالة : أمير ابن الهاشمي